اسمه ومولده:
هو العلامة، الفهامة، المحدث الكبير، المفسر المُلْهَم، النحوي الماهر، الكاتب القدير، صاحب الكتب القيمة والمقالات المُبَيِّنة، شيخ الحديث الشهير، محمود حسين بن الشيخ عبد العزيز.
كان والده كثير الارتحال، فكان إماما في جامع شاه علي في بومباي من الهند لمدة طويلة. ثم رجع إلى بلده واستقر في وطنه ليُعنَى بتعليم وتربية أولاده. وكان كثير الاختلاف إلى قائد العلماء، التقي النقي المربي، الشيخ عبد الكريم، المعروف بـ«شيخ كَوْرِيا»، من أجل تلاميذ شيخ الإسلام حسين أحمد المدني الهندي – رحمهم الله أجمعين.
ولد الشيخ في 9 جمادى الآخرة سنة 1378 من الهجرة (21 من نوفمبر سنة 1958 من المسيحية) في ليلة الجمعة قبيل الصبح الصادق، في قرية لطيف بور من مدينة سلهت، بنجلاديش.
التعليم الابتدائي وحفظ القرآن الكريم:
تلقى تعليمه الابتدائي في اللغة البنجالية والعربية من والدته، ثم التحق بمدرسة قريته، وحفظ سورة يوسف من إمام مسجد القرية في سن مبكر. ثم التحق بقسم تحفيظ القرآن الكريم من جامعة قاسم العلوم المرموقة، من مدينة سلهت، سنة 1968 من المسيحية، وأكمل هناك حفظ القرآن الكريم وعمره آنذاك لم يجاوز ثلاثة عشر ربيعا.
التعليم الثانوي والجامعي:
بعد أن أتم حفظ القرآن الكريم التحق بقسم الدراسات الإسلامية والعربية من الجامعة، واستمر للدراسة فيها.
ولما شارك في الامتحان النهائي الثانوي، فاز بدرجات فائقة باهرة، فغمر قلب والده – الشيخ عبد العزيز – بالحبور والسرور، فذهب الشيخ بولده النبيل إلى «شيخ كوريا» وأخبره بما فاز به ولده وكيف أنه فخور بإنجازاته في الدراسة، فسُرَّ به «شيخ كوريا» سرورا لا يوصف، فالتمس الشيخ عبد العزيز من «شيخ كوريا» أن يدعو لولده، فقال «شيخ كوريا»: «جعله الله من المؤهَّلين والمقبولين؛ فإنه قد تأهل كثير من الناس ولكن قليل منهم رزق لهم القبول».
واستمر الشيخ في الدراسة في الجامعة حتى برع في جميع العلوم والفنون المتداولة. وكان طالبا مجتهدا وذكيا جدا جدا. ولهذا فاز بالدرجة الأولى في كافة الاختبارات التي شارك فيها زمن طلبه للعلم بالجامعة. وكان أساتذته وشيوخه يحبونه حبا جما.
ولما شارك في اختبار «تكميل الحديث الشريف» النهائي، الذي شارك فيه كافة الطلاب من جميع أنحاء بنجلاديش، كانت درجاته مبهرة، فاق فيها أقرانه ومن جاء بعده، فحاز على 879 درجة من 900 درجة. ولا شك أنه أكبر دليل على ذكائه النادر وعلمه الغزير.
ومن كبار مشايخه من الجامعة:
(1) الإمام الكبير الشيخ أكبر علي – رحمه الله – مؤسس ومدير جامعة قاسم العلوم بدرغاه، سلهت سابقا.
(2) الفقيه البارع، الأديب القدير، المحقق المتقن، الشيخ المفتي رحمت الله – رحمه الله – صاحب التصانيف المشهورة.
وكان المفتي رحمة الله يحب الشيخ حبا لا يوصف، ويتبين مدى حبه له أنه كلما ارتقى الشيخ محمود صفا كان المفتي – رحمه الله – يختار كتابا من ذلك الصف لنفسه ليدرس تلميذه الرشيد؛ إذ كان المفتي – رحمه الله – رئيسا لهيئة التدريس والشؤون التعليمية.
(3) المحدث الكبير، العالم المتفنن، الشيخ عبد الحنان الدِّينَارفُوْرِي رحمه الله، شيخ الحديث بجامعة قاسم العلوم بدرغاه، سلهت سابقا.
(4) أستاذ المحدثين، شيخ الحديث، العلامة الشيخ محمد إسحاق – رحمه الله – من أجل تلاميذ المحدث الكبير العلامة يوسف البنوري، وصاحب شرح صحيح البخاري «درس بخاري»، شيخ الحديث بجامعة قاضي بازار وجامعات أخرى.
(5) المحدث الكبير الشيخ محمد قطب الدين – رحمه الله – شيخ الحديث بجامعة دالكا نَغَر، داكا، سابقا.
(6) الشيخ المحدث المفتي مُحِبّ الحق الغاسباري – حفظه الله – شيخ الحديث ومدير جامعة قاسم العلوم، سلهت
(7) المحدث الكبير الشيخ نذير أحمد الجِهِيْنكَابَاري – حفظه الله – شيخ الحديث الثاني بالجامعة التوكلية، رنغا، سلهت.
ولا زال الشيخ مولعا شديدا بجميع شيوخه، فأحبه جميع أساتذته وأجلوه وأثنوا عليه ودعوا له.
الحياة العملية
بدأت حياته العملية الحافلة بالفعاليّات والإنجازات بتولي منصب التدريس بالجامعة الإسلامية براجاغَنْج من مدينة سلهت، سنة 1401 من الهجرة، فدرّس فيها ثلاث سنوات متتاليات مختلف العلوم والفنون. وفي السنة الثالثة وُلِّيَ تدريس «سنن الإمام أبي داود». وهذا أدل دليل على أن شيوخه كانوا على ثقة تام بمُؤهِّلاته وكَفاءاته في ميدان علم الحديث، فولوه تدريس كتاب من أجل كتب هذا الفن، رغم كونه في عنفوان شبابه.
ثم تم تنصيبه أستاذا في علوم الحديث بالجامعة المدنية بقاضي بازار، سلهت، سنة 1404 هـ. فدرس فيها أيضا لثلاث سنين. فذاع صيته وارتفع شأنه وصار علماء بلده يشيدون به ويعظمونه.
في الجامعة المدنية بأَنْغُوْرَا محمدفور
وفي سنة 1407 هـ التحق بالجامعة المدنية بأنغورا محمدفور، سلهت، أستاذا في علوم الحديث، فأعجب اللجنةَ الإدارية من الجامعة علمُه الغزير وخلقُه الجميل وبعدُ نظره ووفور عقله وصفاء قريحته وكفاءاته في مختلف العلوم والفنون. فما كان لهم بد من توليته منصب «شيخ الحديث» في السنة التالية.. فدرس فيها بمهارة فائقة، ونشّأ ودرّب بها جيلا كبيرا من العلماء والمحدثين والدعاة والكتاب الإسلاميين… لست سنوات كاملة، حافلة بأعمال جليلة وجهد متواصل في سبيل نشر العلم وتعاليم النور الإلهي بين الأنام.
منذ ذلك … لا زال معروفا بلقب «شيخ الحديث»
والجدير بالذكر أن مصطلح «شيخ الحديث» يستخدم كثيرا في شبه القارة الهندية وله معنى خاص دون ما يفهمه العرب. فـ«شيخ الحديث» هو الذي يتولى منصب تدريس «صحيح الإمام البخاري» بعد أن تبحر في علوم الحديث. فهو الأستاذ الأكبر في أي جامعة إسلامية … ولا يولّى المنصب إلا لغزارة علمه وطول باعه في فن الحديث.
فمنذ أن تولى الشيخ منصب «شيخ الحديث» بالجامعة المدنية بأنغورا محمد فور ما زال – ولا يزال – معروفا بهذا اللقب أينما حل وارتحل. فبعد تولي التدريس في الجامعة المدنية بأنغورا محمد فور وُلِّي مدرسا بالجامعة الإسلامية دار العلوم بِشُّوْنَات. وتولى هناك منصب «نائب المدير» و«أمين الشؤون التعليمية»، بالإضافة إلى كونه «شيخ الحديث».
وإذ إن الشيخ كان شديد الولَع بـ«شيخ كوريا» المذكور آنفا، لبى دعوة الشيخ للالتحاق بالجامعة التي أسسها هو – وكان يديرها – وهي الجامعة العباسية بكوريا إسلام آباد، لكي يتولى منصب «شيخ الحديث» و«أمين الشؤون التعليمية» هناك.
وفي سنة 1421 هـ / 2001 م رحل إلى لندن، عاصمة بريطانيا، تلبية لدعوة صديقه الوفي، وهو الشيخ طريق الله – حفظه الله – ليتولى منصب «شيخ الحديث» بالجامعة التي وضع حجر أساسها الشيخ طريق الله نفسه، فأصبح الشيخ أول «شيخ الحديث» للجالية البنجالية المسلمة في أرض بريطانيا.
فلما قضى خمسة أعوام في لندن منشغلا في التعليم والتدريب والتربية، انتقل إلى الجامعة الإسلامية ببرمنجهام، التي أسسها ويديرها الشيخ رضاء الحق – حفظه الله ورعاه – وهي من كبرى الجامعات الإسلامية في بريطانيا. فلا يبرح يدرس هناك منذ ذلك إلى الآن – وقد صار أكثر من أربعة عشر عاما – متوليا منصب «شيخ الحديث» ومدرسا كتب الفنون المتفرقة، كالفقه، والحديث، التفسير، والنحو، والبلاغة وإلى ذلك من العلوم العربية والإسلامية.
رئيسا لقسم التصنيف والتحرير لإدارة التعليم الديني الأهلي ببنجلاديش
وحينما كان يدرس في الجامعة المدنية ببِشُّونات، تم تعيينه عضوا للجنة المنهج التعليمي بإدارة التعليم الديني الأهلي ببنجلاديش. فأعد بحثا يشتمل على مقترحات قيمة لتطوير المنهج التعليمي، ثم قدمها أمام اللجنة، فتلقتها اللجنة بالقبول وعينته رئيسا لقسم التصنيف والتحرير بالإدارة.
فمنذ أن تولى ذلك المنصب، لم يَأْلُ جهدا لتطوير وترقية الإدارة. فألف كتبا كثيرة لتعليم اللغة العربية والأردية والبنجالية وغيرها من الفنون المعاصرة، مطبقا فيها طرق التعليم المعاصرة، فقررتها الإدارة في مقرراتها الدراسية، ولا تزال تُدرَّس هذه الكتب في المدارس الإسلامية في بنجلاديش. فمن تلك الكتب:
(1) الأدب الراشد
(كتاب في الأدب العربي المعاصر، بالإضافة إلى ما يحتوي على بيان قواعد الإملاء وعلامات الترقيم على أسلوب رائع)
(2) الدروس العربية (في جزءين)
(3) اردو كا ابجد
(3) ميري كتاب (ثلاثة أجزاء)
وكتب أخرى.
مؤلفات أخرى:
وما عدا الكتب المذكورة، له عدة كتب أخرى، وهي:
(1) مواهب الرحمن في أصول التفسير وعلوم القرآن
– وهو كتاب نفيس باحث عن علم التفسير وما يتعلق به، وأقسامه، وأصوله، وقواعد الترجيح بين أقوال المفسرين، وتعريف موجز عن أشهر المفسرين من الصحابة والتابعين، وعن أشهر كتب التفسير ومؤلفيها.
(2) تحفة الأعلام بما في صحيح البخاري من الخلل والأوهام
– وهذا كتاب مشحون بتحقيقات نادرة في علم الحديث وهو فريد في نوعه، ناقش فيه المؤلفُ الخللَ والأوهامَ الموجودة في صحيح البخاري – كما هو مفهوم من اسم الكتاب، وهو غير مطبوع إلى الآن (لعل الله يوفق مطبعة من مطابع بلاد العرب والمسلمين أن تطبع هذا الكتاب النفيس حتى ينتفع به العلماء والطلاب في جميع أنحاء العالم)
(3) تحفة الأخيار بما في الكتب الستة من المصاريع والأشعار
– جمع فيه الأشعار والمصاريع الموجودة في كتب الحديث الأصول الستة – صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وجامع الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، سنن ابن ماجه – وشرحا شرحا نحويا وصرفيا وبلاغيا، وهو غير مطبوع إلى الآن (لعل الله يوفق مطبعة من مطابع بلاد العرب والمسلمين أن تطبع هذا الكتاب النفيس حتى ينتفع به العلماء والطلاب في جميع أنحاء العالم).
(4) فصول في التصريف
– كتاب في علم الصرف، وقد فرغ المؤلف من إعداده. وهذا الكتاب أعده المؤلف بعد أن طلبت منه إدارة التعليم الديني الأهلي أن يؤلف كتابا باللغة العربية في علم التصريف لطلاب المرحلة الثانوية.
(5) بلوغ الأماني بحل خطبة مختصر المعاني
– شرح فيه خطبة كتاب «المختصر» في علم المعاني للعلامة التفتازاني، وهو بالأردية.
(6) فوز النبيل بحل شرح ابن عقيل
– شرح جامع نفيس لشرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، هو بالأردية.
(7) تسهيل المطالب شرح كافية ابن الحاجب
– شرح فيه كتاب «الكافية» للعلامة ابن الحاجب في علم النحو باللغة الأردية، وهذا الكتاب من أشمل شروح «الكافية» بفوائد عجيبة ونكات دقيقة، يقدم قواعد النحو بطريقة سهلة مشوِّقة.
فجميع كتب الشيخ مليئة بتحقيقات نادرة وفوائد عجيبة ونكات مهمة، قد لقيت من العلماء والطلاب بالقبول.
ولا يزال الشيخ يدرس ويكتب ويؤلف ويصنف، فوقته غال جدا ومنظم بتنظيم دقيق .. وصفه أحد تلاميذه – وهو الأستاذ عبد المقيت الجلال آبادي رحمه الله – في مقدمة كتاب «مواهب الرحمن» بكلمة مجملة قائلا:
«وليس له شغل شاغل إلا التدريس والمطالعة، والتصنيف والتأليف، والبحث والمذاكرة، معرضا عن علائق دنيوية ومشاغل تنظيمية»
ويقول عنه العلامة المحدث الكبير سعيد أحمد البَالَنْبُوْرِي (شيخ الحديث بالجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند) في تقريظه لكتاب «القول النصير في شرح الفوز الكبير» للأستاذ عبد المقيت الجلال آبادي رحمه الله:
«أحد علماء بنجلاديش المشهورين، مؤلف كثير من الكتب الدراسية وشروحها، حضرة مولانا الحافظ محمود حسين السلهتي، قد حرر هذا الكتاب ولي ثقة تام بتحريره»
فبارك الله في حياته وعلومه، وحفظه مع الصحة والعافية.
كتبه: عبد الله فهيم
إمام وخطيب مسجد التقوى
كيريكس لين، برمنجهام، بريطانيا
26 رمضان 1441
19 مايو 2020