تلقينا ببالغ الحزن والأسى نعي أحد مشايخ والدي وأحد كبار علماء بلدة سلهت، وهو شيخ الحديث مولانا نذير أحمد الجنكاباري، انتقل إلى رحمة الله صباح يوم السبت الخامس والعشرين من شهر مايو 2024 م (السابع عشر من ذي القعدة 1445 هج)، وصلى عليه نجله مولانا حافظ القرآن الشيخ كمال أحمد في ميدان مدرسة لَامَاجِنْكَابَاري بعد العصر، ودُفِن في المقبرة قُربَ المدرسة – رحمه الله تعالى وأغدق عليه شآبيب رحمته ووفق لذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
وهو آخر من توفي من شيوخ والدي الستة العظام، من الرعيل الذين عُرِفُوا بسعة العلم ودقة الفهم وسرعة الإدراك وكثرة الورع وإيثار خمول الذكر على شهوة الشهرة، من الفئة الفذة التي كان رئيسها العلامة المفتي الكبير الأديب القدير الشيخ رحمت الله الجلال آبادي رحمه الله.
الولادة:
ولد الشيخ في الرابع من شهر مايو 1943 م (30 ربيع الآخر 1362 هج) في قرية لَامَاجِنْكَابَاري من مضافات كَنَائِيغات من محافظة سلهت في عائلة عريقة عرفت بالتدين والعلم، وكان أبوه الشيخ مولانا عزيز الرحمن – رحمه الله – عالما كبيرا ومؤسس المدرسة المحمدية بقرية لَامَاجِنْكَابَاري.
طلب العلم:
قيل: من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة، كذلك كانت حال الشيخ نذير أحمد الجنكاباري.
بدأ طلبه للعلم في حِجر أمه، ثم تعلم قراءة القرآن الكريم من القاري مولانا أحسن الله، وبعدَ أن أكمل الدراسات الابتدائية والمتوسطة بالمدرسة المحمدية بجنكاباري تحت رعاية والده التحَقَ بمدرسة مظاهر العلوم غاسباري ودرس فيها سنتين يقرأ كتب النحو والصرف والفنون الأخرى، مثل: هداية النحو والكافية ونور الإيضاح ومختصر القدوري وغيرها.
ثم التحق بدار العلوم كنائيغات – أحد أقدم المعاهد الدينية بمحافظة سلهت – إلى أن بلغ سنة التخرج (أي: دورة الحديث النبوي) في بضع سنوات، وتشرف بقراءة الجامع الصحيح للإمام البخاري بأسره على محدث الهند الكبير والسياسي الضليع العلامة شيخ الإسلام مولانا مشاهد البايمفوري رحمه الله.
ولم تكد تكتمل سنة التخرج حتى أصيب بمرض عضال أجبره للسفر إلى عاصمة بنغلاديش داكا لتلقي العلاج، ولكن العلاج استغرق مدة طويلة فلم يصبر على الفراغ والتحق بالمدرسة القرآنية لَالْبَاغ بداكا ليتشرف بقراءة صحيح البخاري مرة ثانية على شيخ الحديث العلامة عزيز الحق – رحمه الله –، ويتلقى علوم الحديث والسنة من المصلح الكبير وقائد الحركة الإسلامية الشيخ محمد الله الحافِظْجِي والداعية الكبير والكاتب القدير العلامة شمس الحق الفريدفوري رحمه الله.
ولكن لما لم يبرأ من المرض رغم إقامته في داكا لمدة طويلة عاد إلى وطنه والتحق بمدرسة دِيُولْغَرام ليتشرف بقراءة صحيح البخاري مرة ثالثة على شيخ الحديث مولانا جواد حسين البَاركولي – من تلاميذ شيخ الإسلام العلامة حسين أحمد الهندي المدني – إلى أن تخرج فيها سنة 1383 هج وحاز درجات قياسية في اختبار المجلس الديني الأهلي بنغلاديش للماجستير في العلوم الشرعية والعربية.
الحياة العملية:
قضى حياته كلها في تدريس العلوم الدينية لأبناء المسلمين حينما بدأت حياته العملية بكونه مدرسا بمدرسة فيض عام النثارية بتالباري، ثم صار مدرسا بالمدرسة المحمدية التي أسسها والده، ولكن اشتياقه لعلوم القرآن والتفسير حَدَاه على ترك التدريس والالتحاق بمدرسة آدِنَابَاد ليتلقى الدراسات العليا من العلامة الكبير مولانا شفيق الحق الآكُوْنِي ومولانا عبد الرب البِلَّاكَانْدِي – رحمهما الله.
وبعد أن أكمل الدراسات العليا تولّى وظيفة التدريس بمدرسة ديولغرام ائتمارا لحكم شيخه مولانا جواد حسين الباركولي لثمان سنين بالإضافة إلى كونه أمين التعليم بعدَئذٍ. ثم ظلّ مدرسا وأمين المكتبة بجامعة قاسم العلوم بدرغاه لبضع سنين، ثم ظل يدرس بمدرسة راجاغنج كتب المستوى العالي في الحديث والتفسير والفقه لثمان سنين متتاليات.
ثم طلبه الشيخ مولانا شمس الإسلام خليل – حفظه الله – إلى الجامعة التوكلية برِنْغا وبقي بها يدرس لسنين عديدة – ما عدا لثلاث سنين حين أصبح «شيخ الحديث» بمدرسة آدناباد ومدرسا بمدرسة رَامْدَها وإماما بجامع درغاه سلهت – إلى أن أصبح «شيخ الحديث» بها بعد وفاة الشيخ العلامة إمداد الحق الحبيغنجي – رحمه الله تعالى –، وكان أيضا يدرس صحيح البخاري بمدرسة عائشة الصديقة للبنات لمدة مديدة.
تلاميذه:
أخذ عنه العلوم عددٌ لا يحصى من العلماء، أصبح كثير منهم شيوخ الحديث وكبار العلماء والفقهاء، نذكر منهم عددا لا بأس به:
العلامة المفتي أبو الكلام زكريا رحمه الله – المدير السابق لجامعة قاسم العلوم بدرغاه، سلهت
شيخ الحديث مولانا عبد القادر الباغِرْخَالي – حفظه الله،
شيخ الحديث مولانا صالح أحمد الذَّكيغَنْجي – حفظه الله
شيخ الحديث العلامة محمود حسين السلهتي البريطاني – حفظه الله
شيخ الحديث المفتي مجيب الرحمن – حفظه الله
المحدث مولانا فخر الإسلام المُغْلابازاري – حفظه الله
المحدث مولانا صالح أحمد سالك – حفظه الله
شيخ الحديث مولانا المفتي جلال الدين – حفظه الله
مولانا نور الإسلام سفيان – حفظه الله
مولانا مخلص الرحمن الراجاغنجي – حفظه الله
شيخ الحديث مولانا طالب الدين الشَّمْشِيْرنَغَري – حفظه الله
الإحسان والسلوك:
اتصف الشيخ بلين الطبع وكثرة الورع واتباع السنة في جميع شؤون حياته، وتلقى الإحسان والسلوك من الشيخ المصلح عبد الجليل البَدْرفوري – أحد خلفاء شيخ الإسلام حسين أحمد المدني – وأجازه الشيخ في السلوك في مدة قليلة.
تصانيفه:
رغم أنه لم يكن صاحب التصنيف لكنه ألف عدة كتب، منها: (1) مسائل الأضحية وتاريخها، (2) حقيقة ليلة النصف من شعبان وغيرهما.
الوفاة:
انتقل إلى رحمة الله صباح يوم السبت الخامس والعشرين من شهر مايو 2024 م (السابع عشر من ذي القعدة 1445 هج)، وصلى عليه نجله مولانا حافظ القرآن الشيخ كمال أحمد في ميدان مدرسة لَامَاجِنْكَابَاري بعد العصر، ودُفِن في المقبرة قُربَ المدرسة – رحمه الله تعالى وأغدق عليه شآبيب رحمته ووفق لذويه ومحبيه الصبر والسلوان.